نعيش في
عصر يسوده الغزو الثقافي الأجنبي ضد البلاد الإسلامية،
بالإضافة إلى ظاهرة العولمة، ولأهمية هذين الموضوعين التقت
أسرة تحرير المجلة سماحة السيد هادي المدرسي _حفظه
الله _ حيث جرى الحديث حول موضوع المرأة والطفل في عصر
المعلوماتية، وبعض الأمور العقائدية وإليكم تفاصيل ما دار في
هذا اللقاء:
مجلة "بشرى":
نحن
نعيش في عصر العولمة والمعلوماتية شئنا أم أبينا الدخول في هذا
المعترك، وأحد أجهزتها هي الفضائيات التي أصبحت تغزو بيوتنا،
والإدمان على التلفزيون والمسلسلات بات من ظواهر مجتمعاتنا
وبالخصوص في أوساط النساء ، فكيف نواجه ذلك؟.
- مثلنا مع الغزو
الثقافي كمثل جماعة جالسين في مكان ما ويهجم عليهم بعض اللصوص،
وأول ما يدور بخاطر هذه الجماعة هو انقاذ ما يمكن انقاذه ، وأن
يخفي عن أنظارهم كل ما هو غال وثمين , وبعد ذلك يأتي التفكير
بمحاربتهم أو التخلص منهم؛ فنحن مغزوون في كل زاوية من زوايا
البيت ولاشك أن وراء كل فيلم ومشهد ثقافة ونهجاً يختلف عما
نشأنا عليه في حياتنا وما تحمله أفكارنا.
فلو كنا نملك
مجموعة من الأشياء الكبيرة والصغيرة وبعض الماس ، فعند الإحساس
بالخطر نضع الماس في الحقيبة فهو أصغر وأاثمن ما نملك. واعتقد
أن الطفل هو مايجب انقاذه فهو ماخف حمله وزاد ثمنه، والمقصود
من خفيف الحمل أن انقاذه يكون في المراحل الثلاث الأولى من
حياته؛ يقول علماء التربية : إن السنوات الثلاث الأولى هي من
أهم السنوات التي يمكن فيها تربية الطفل بشكل جيد، إذ لا يتمكن
أحد من أن يغزوه فكريا وثقافيا لأنه لا يرى التلفزيون ولايطالع
مجلة أو جريدة، اذن فهو تحت اختيار الأبوين بشكل كامل وبعيدا
عن المؤثرات الخارجية، فالطفل في هذه السنوات كشريط الكاسيت
الذي يلتقط كل مايسجل فيه؛ لذا يجب المواظبة على تلقينه
والتعامل معه بشكل جيد كاحترامه والاعتناء به و... وان كانت
هذه الامور صغيرة
ولكنها تنمي
شخصيته وتبعده عن الشعور بالحقارة .
إن قراءة القرآن
والأدعية بصوت عال على مرأى ومسمع من الطفل تجعله يستحفظها،
وإن لم يكن يستوعب معناها، فهو في هذه المرحلة يتعرف على هذه
الآيات لذا يطمئن إليها في كبره، إذ إن هذه هي طبيعة الإنسان،
فعن أمير المؤمنين (ع): (الناس أعداء ما جهلوا).
والطفل الذي
يتلقى الحنان والعاطفة والرحمة من أمه عند الحضانة فإنه سيعكس
ذلك عندما يكبر، وبالعكس اذا لم يتلق العناية الكافية من
والديه سيصبح قاسيا على المجتمع لأن كل اناء بالذي فيه ينضح ،
فاذا لم يتلق الطفل المعلومات الصحيحة فكيف يمكن انعكاسها على
الآخرين؟ ففي مقابل الغزو الثقافي لابد من الاعتناء بالطفل
باعتباره ماخف حمله و كثر ثمنه.
وأما ما يرتبط
بالأمهات في مواجهة هذا الغزو فاعتقد أن هذه المواجهة ليست
معقدة بل هي مسئلة بسيطة للغاية؛ وذلك أننا مسؤولون عما نسمع
ونرى كما نحن مسؤولون عما نفعل، فالإسلام يبدأ من التلقي ، فقد
ورد في الروايات : (من استمع الى ناطق فقد عبده ، فان كان
ناطقا عن الله فقد عبد الله ، وان كان ناطقا عن الشيطان فقد
عبد الشيطان).
إذن حتى الاستماع
يلزم أن يدخل في إطار الحق والباطل ، الخير والشر ، الصلاح
والفساد؛ فحضور الإنسان إلى مجالس البطالين ، أو الاستماع إلى
الترهات التي ليس فيها عبرة فهي محرمة وعمر الإنسان أغلى من أن
يصرفه في هكذا أمور؛ فعن الإمام زين العابدين(ع): (أو لعلك
رأيتني آلف مجالس البطالين). فالاستماع كالقول؛ فكما أنه يجب
المواظبة على ما نقول، ففي المقابل يجب الحذر مما نسمع، إذ إن
التلقي جزء من العمل بل هو أساسه لأن الانسان سيقول لاحقا
مايسمعه ، فمثلا النظر او الاستماع الى نشرة إخبارية ، أو
برنامج نافع فهو جائز وممدوح.
فلابد من
المجابهة مع الغزو الثقافي وأن نصمم باستيعاب أمور الخير
والامتناع عن الشر، بالاضافة الى تقوية المناعة عند الإنسان،
وكما أن الطفل يتم تلقيحه وتطعيمه ضد الامراض المنتشرة ، فكذلك
يجب تطعيم أنفسنا؛ وذلك عبر مطالعة الكتب الدينية والثقافية ،
والدعاء، وطلب الهداية من الله عزوجل.
إن الخوف من
الغزو الثقافي لاينسب إلا إلى العوائل المفككة وغير الواعية
وغير المؤمنة ، فالغزو الثقافي عبارة عن مجموعة من الميكروبات
والفيروسات الضارة التي تدخل الجسم، فيتأثر بها الجسم المريض
ويقاومها الجسم السليم .
2 إننا نرى الكثير من الثقافات الغربية
أخذت تبرز في مجتمعاتنا الإسلامية كالتفكير بالمظاهر والموضة
وأسلوب الكلام و.. فكيف لانخاف من ذلك؟.
- أنا لا أقول لا
نخاف ولكن أقول يجب تقوية مناعتنا؛ فالشخص الذي ليست في جسمه
مناعة يخاف من الميكروبات؛ إذ إن أي ميكروب يقضي عليه ، فالامة
التي لامناعة لديها ولاتحمل الثقافة الجيدة ولاتصل إليها
المعلومات الصحيحة فسوف تتعرض للغزو عاجلا أو آجلا. إن الخوف
الحقيقي يعود الى عدم وجود الثقافة الجيدة في الأمة أو في
الأسرة، والحل الحقيقي يكمن في بناء عائلة قوية ، متماسكة
وواعية وفي نفس الوقت الأخذ بالغزو بعين الاعتبار وتصنيف
مايأتينا ، فالخير نأخذه ، والشر نقاطعه .
3 ما واجب المرأة المسلمة في زمن
العولمة؟
- من الضروري جدا
أن تهتم المرأة بالجانب الثقافي كما تهتم بالجانب الجسدي
والصحي، إذ إن الثقافة لها ارتباط بصحة الروح كما أن الطعام
السليم والرعاية الصحية لها ارتباط بصحة الجسم . أن اول
مانحتاج إليه في هذا المجال بالنسبة إلى المرأة المسلمة هو
زيادة الوعي والثقافة ، وذلك لايكون الا عبر جعل قوائم من
الكتب المختلفة في مجال الدين والعقيدة والسياسة والثقافة
العامة التي لابد من مطالعتها، مع التخطيط المسبق، بالاضافة
إلى قراءة بعض المجلات والجرائد، وبعد إيجاد الأرضية الصلبة
لها نترك لها الحرية في مطالعة الكتب المختلفة أو ما يقع بين
أيدينا بالصدفة ، ولكن أكرر أنه يجب أن تكون مطالعاتنا مخطط
لها .
4 ننتقل الآن إلى الجانب العقائدي ،
ففي بعض الأحيان يوجه الأطفال أسئلة عديدة و متنوعة وبخاصة عن
الذات الإلهية المقدسة لدرجة قد يتعذر معها الإجابة فما هو
الحل الأمثل في وجهة نظركم لهذه المسألة؟.
- إن الأمر يختلف
فيما يرتبط بالذات الإلهية عن بقية الأمور؛ إذ إننا فطمنا على
عدم معرفتها صغارا أو كبارا، ولذلك لا نستوعب كنهها. فكلمة
الله في اللغة العربية تعني المتحير فيه: إله, يأله أي تحير أي
تاهت العقول عن كنه معرفته، ولايمكن ان نصل إليه إلا عن طريق
أمرين: تنزيهه عن التشبيه، وإخراجه عن التعطيل أي إنه موجود
دائما.
وفيما يرتبط
بأسئلة الطفل في هذا الاطار فعلينا أن نجيب بحيث لا ندخله في
الذات الإلهية، ضمن إطار عقله، أي إجابته بشكل غير مباشر من هو
الله مثلا؟ فنجيب:
الله الذي خلقك
وخلقنا ، او ماهو شكل الله ؟ فنضرب له مثالا كما ضرب الله مثلا
قال : )الله نور السماوات والأرض(. فالأمثلة هي التي تقرب
المعنى ، وفي نفس الوقت لايراه تناقضا مع الحقيقة التي يصل
إليها في كبره .
فالأمثال هي من
أجل تقريب المعنى الى الذهن فاذا سُئلنا عن لذة شيء معين فنقول
مثلا إنه كالبرتقال ، ولكن هل هو كالبرتقال حقا ؟ لا فهو مجرد
مثال لأجل تقريب المعنى في الذهن . فعندما يسأل الطفل هل لله
يد أو رجل مثلنا فنقول له لايشبهه شيء إذ إن الأشياء متفاوتة
فانظر إلى النور هل له يد أو رجل . سُئل الإمام الصادق (ع) :
(اينما تولوا فثم وجه الله) فكيف يكون ذلك ؟ حيث كانوا أمام
النار، وإذا بالامام يقول : انظروا الى النار من أي طرف ترونها
فهي الوجه .
وهنا تكمن
مسؤولية الوالدين حيث أنه يجب الانتباه الى الجواب الذي يتم
اعطائه الى الطفل ألا يكون متناقضا مع الحقيقة في سبيل اسكاته
فحسب فانه سيتم اكتشافه لهذا الغلط فيما بعد، ويجب عدم التغافل
عن أسئلة الطفل، وعدم التذمر من اسئلته الكثيرة لأن الله يجعل
في نفس الانسان شرارة تنقدح منها حب المعرفة فاذا كانت
الأجوبة وافية فسوف يتم إشباع هذا الحب والا فانه سوف ينطفيء
.
5 كيف نحدث الطفل
عن الموت وعالم البرزخ ؟
- إن الحديث عن
هذا الشيء يكون بسيطا مادام مجال الأمثلة مفتوحاً أمامنا
فنتمكن من القول له: كما أن الطفل في بطن أمه لايفهم ولايرى
هذا العالم مع أنه يملك العين والأذن واليد والرجل ولكن لايمكن
استيعابه إذ إن عالم الرحم يختلف عن عالم الدنيا، فكذلك
بالنسبة الى عالم البرزخ.
عندما كنا أطفالا
وكان يموت أحد أقاربنا نسأل أين ذهب؟ كانوا يقولون لنا: ذهب
إلى الجنة . فكنا نظن أن القبر هو باب الجنة ونتصور ان
مابداخله هي البساتين والأشجار والقصور .
اذن فالشيء الذي
لم نره لايمكن أن نتصوره وإن البرزخ والآخرة عالمان مختلفان
لايمكن استيعابهما إلا من خلال ضرب الأمثال من اجل تقريب
المعنى ليس إلا.
6 هل من نصيحة أخيرة للمرأة المسلمة؟
- ما نصح به
الأنبياء والأولياء ومن أهم هذه النصائح لكل انسان رجلا كان أو
امرأة هو تقوى الله عزوجل؛ فعن أمير المؤمنين (ع) : (التقوى في
الدنيا جُنة، وفي الآخرة خيرٌ من الجنة) فهذه هي نصيحة
الأنبياء إلينا.
وأما بالنسبة الى
المرأة فاعتقد أن دورها أهم من دور الرجل؛ إذ إن دورها له
ارتباط وثيق بها وبالرجل فباستطاعتها أن تهدي نفسها وزوجها أو
تضلهما؛ فتحمّل المرأة المسلمة وهي زوجة لزوج مؤمن عامل في
الساحة وتشجيعها، له الأثر الكبير في نفس الزوج ولايغنيه عن
ذلك تشجيع العالم بأسره .
ويعتبر دور
المرأة هو دور محوري؛ إذ إنها المركز بالنسبة لنفسها ولزوجها
ولأولادها، ومن ثم فإن صلاح المرأة يعني صلاح الأسرة، وصلاح
الأسرة يعني صلاح الحضارة.
يقولون إن وراء
كل عظيم امرأة عظيمة فكانت مع آدم حواء ، ومع ابراهيم هاجر ،
ومع نبينا محمد (ص) خديجة ، ومع علي فاطمة ومع الحسين زينب ،
ويعتبر دور المرأة عظيم بذاته؛ وذلك في استناد الرجل إليها ،
وبمرور الزمن يرى من الزوجة متكأ وخاصة في المراحل الأخيرة من
حياته ، فكان والدي (رحمه الله) يقول هذه الكلمة: إن الرجل
يحتاج إلى المرأة عندما يكبر ، (وان كان الرجال يظنون بأنهم
يحتاجونها في شبابهم)، إذ إنه يحتاج إليها بروحه.
فالمرأة المؤمنة
تستطيع - على الأقل - بالتشجيع دفع الرجل إلى ساحة العمل
وسيكون لتشجيعها الأثر البالغ في سيره نحو الأفضل ، فهي إن لم
تكن تكتب فهي تشجع الكتّاب ، وان لم تكن تخطب تشجع الخطباء ،
وان لم تكن تعمل فتشجع العاملين.
في الختام نشكر سماحتكم لإتاحة هذه الفرصة لنا ولتنوير الطريق
أمامنا وأمام المرأة المسلمة راجين من المولى القدير أن يوفقكم
لخدمة الإسلام. |