أجرت صحيفة (رسالة الحسين) -في عددها الثاني- التي تصدر في
الأيام العشر الأولى من شهر محرم الحرام في الكويت، حوارا مع
سماحة العلامة الأستاذ السيد هادي المدرسي حول آفاق المشروع
الشيعي في دائرة التلاحم مع قضايا الأمة.
وفيما يلي نص الحوار:
"رسالة الحسين":
من
خلال قراءتنا لثورة الإمام الحسين (ع) والتي هدفت في حقيقتها
إلى النهضة الشاملة في الأمة هل يمكننا القول ان النهضة لا
تتحقق الا عبر الثورة والدم كقاعدة كلية؟
السيد المدرسي:
بالطبع لا، ان
أصحاب النهضة ليسوا هم الذين يختارون الدم كقاعدة فأصحاب
الرسالات لا يبدأون المواجهة ولكن إذا فرضت عليهم المواجهة
فإنهم سيكونون مستعدين لبذل دمائهم من أجل أهدافهم وكما وجدنا
في قضية هابيل ان قابيل هو الذي فرض عليه المواجهة وهدده
بالموت ومارس بحقه القتل بالفعل وكما وجدنا في قضية فرعون
وموسى ان فرعون هو الذي هدد موسى بالقتل وفي مسألة ابراهيم
ونمرود ان نمرود هو الذي تعدى على ابراهيم وحاول حرقه بالنار،
وكذلك في بقية الأنبياء والرسول فإن أهل الباطل هم الذين
يرفضون القبول بالمنطق ويحاولون فرض باطلهم على أهل الحق
بالقوة وحينما يرفض أهل الحق الاستسلام لهم تقع المواجهة
بينهما. ان ما جرى بالنسبة للإمام الحسين (ع) لم يكن شاذا عن
هذه القاعدة فحينما حكم يزيد البلاد الإسلامية رفض الإمام
الحسين البيعة له وحينما هدده بالموت أعلن الإمام (ع) نهضته
وهكذا فإن المقاومة تكون بحجم الطغيان فعندما يحكم طاغوت مستبد
الناس بالحديد والنار ويفرض عليهم العبودية فلا خيار غير
المواجهة معه حتى وان أدى ذلك إلى إراقة الدماء وقتل المؤمنين.
وهنا يأتي السؤال: كيف يمكن تحديد الواقع وتعيين ما إذا كان
طريق الجهاد هو الحل؟
والجواب: ان الأمر لا يحتاج إلى معجزة لتشخيص ماذا يجب على أهل
الحق ان يعملوا. فحينما تكون هنالك نسبة من الحرية ونسبة من
القبول للمنطق من قبل الطرف الآخر فليس الجهاد بالسيف هو الحل
ولكن إذا سدت الأبواب واستخدم أهل الباطل منطق القوة فلابد
حينئذ من مواجهة السيف بالسيف والقوة بالقوة والاستبداد
والطغيان بالمواجهة بالطريقة التي يفهمها العدو.
"رسالة
الحسين":
من يشخص هذا الواقع؟
السيد المدرسي:
أصحاب
الرسالة.. وواضح ان لا أحد من المؤمنين بالرسالات يريد لنفسه
القتل والموت والإعدام ولكن إذا فرض عليهم الخيار التالي:
إما القبول بالباطل وإما الثورة عليه.
فإنهم لا يترددون في الثورة على الباطل دفاعا عن الحق.
وهذا واجبهم فلقد أخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة
ظالم ولا سغب مظلوم.
"رسالة
الحسين":
هل الفقيه الجامع للشرائط هو الذي يشخص الواقع أم السياسيون
وأصحاب الشأن المحلي؟
لعلامة المدرسي:
اعتقد ان
الجواب على ذلك هو الفقهاء ان شخصوا، وأصحاب الشأن ان لم يتقدم
العلماء لتشخيص الواجب. وفي الحقيقة فإننا لا نحتاج إلى أخذ
الجواز من أحد للدفاع عن النفس وأقصد بذلك ان أهل الحق إذا
تعرضوا للعدوان فإن رب العالمين قد أجاز لهم الدفاع عن أنفسهم
وهذا يكفي لمشروعية عملهم. يقول تعالى: (اذن للذين يقاتلون
بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) نعم، نحتاج إلى الفتوى
في مجالات غير رد الاعتداء وغير الدفاع عن النفس. أما الدفاع
عن النفس فإن الضمير حتى في الحيوانات يأمر بالدفاع.
"رسالة
الحسين":
يطرح في كثير من الأحيان ان على الشيعة
ان لا يكون لهم مشروعهم الخاص وإنما يندمجون مع الأطر الأخرى
هل تعتبرون هذا التوجه شرعيا ويمكن ان يخدم الطائفة الموجودة
أم ان على الشيعة ان يؤكدوا في التميز الشيعي؟
لعلامة المدرسي:
نحن لا ننطلق من منطلقات
طائفية فمنطلقاتنا هي الحق والدفاع عنه والسؤال يجب ان يطرح
هكذا: هل علينا ان ننطلق من قاعدة مذهب أهل البيت (ع) وندعو
إلى هذا المذهب ونتمسك بالنبي وأهل بيته (ع) كأئمة وقدوات في
الحياة أم علينا ان نترك ما نؤمن به كشرط للإندماج مع الآخرين؟
ومع قطع النظر عن إطار المصلحة والمنفعة والمضرة أقول: نحن
نؤمن بما قاله النبي (ص) في الحديث المجمع عليه (اني مخلف فيكم
الثقلين: كتاب الله وعترتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي
أبدا) ونؤكد بناء على ذلك على ضرورة التمسك بهؤلاء كقدوة
وكمنهج وكمشروع حضاري في المجالات الاجتماعية والشخصية
والسياسية والاقتصادية. غير ان هذا لا يمنع ان نندمج مع
الآخرين في يوميات حياتنا. نحن ندعو إلى الوحدة وليس مجرد
الاندماج انما على قاعدة ما طالبنا الإسلام به من التمسك بكتاب
الله وأهل البيت (ع) ولا نعتقد ان هذا يؤدي إلى تميز طائفي وان
كان يؤدي إلى تميز مذهبي أحيانا. نحن نحمل هاجس المذهب وندعو
الآخرين إلى ان يفهموا معتقداتنا وان يفهمونا بدل ان يتهموننا
بالكفر والخروج على الأمة.
"رسالة
الحسين":
وماذا بشأن المشروع الشيعي؟
لعلامة
المدرسي:
اننا نطالب؛
أولا: ان يكون هنالك حوار هادئ وعلمي للوصول إلى الحقيقة فيما
يرتبط باختلافات الأمة الإسلامية وندعو في نفس الوقت إلى
التعاون مع الآخرين مع الاحتفاظ بالخصوصيات كما ندعو إلى
الاحتفاظ بالخصوصيات مع التعاون. ونعتقد ان الحضارات تقوم على
أساسين: التنافس في بطن التعاون والتعاون فيء بطن التنافس. أما
الذي يطالبنا بأن نقول ما يقول الآخرون وان نردد ما يردده
الآخرون فإنه انما يريد ان يؤسس فرقة الاوكسترا ولا يريد ان
يبني حضارة ذلك ان التعددية ووجود رؤى مختلفة هي ضرورة من
ضرورات بناء الحضارات. فالحضارات لا تبنى على رأي واحد وذوق
واحد ومنهج واحد وحفظ مجموعة من المحفوظات وتكرارها وتبجيل كل
من هب ودب من الماضين.
وإنما تقوم على أساس الاختلاف والبحث عن الحقيقة والتمسك بها
غير ان اختلاف الرأي لا يدعونا إلى عدم التعاون مع الآخرين أو
التنافر معهم ولا نعتقد ان من العقل ان يطلب منا الآخرون ان
نخالف ضمائرنا وعقولنا فيما توصلنا إليه من الحقائق كشرط لكي
نتعاون معهم في شؤون حياتنا اليومية.
فهل المطلوب مني ان أتنازل عن معتقداتي في مجال الفقه مثلا حتى
يتسنى لي التعاون مع غيري في شؤون البلد أم يمكن ان أتعاون مع
الآخرين في مختلف الأمور مع إيماني بما اعتقد ومع احتفاظي
برؤيتي الخاصة فيما يرتبط بالتاريخ ورجاله وفي ممارساتي
الشخصية وشعائري الخاصة.
"رسالة
الحسين":
لا
يزال الفكر الشيعي حبيس الأطر الضيقة في المساجد والحسينيات
وبعض النشاطات.. محدودة التداول يشار أحيانا إلى ضعف الإمكانات
المادية ويشار أحيانا إلى ان لغة المخاطبة الشيعية عليها
الكثير من الملاحظات على ضوء ذلك هل المطلوب تغيير الخطاب
ومحاولة تكييفه مع الخطاب الإسلامي العام أم يلزم التأكيد على
هذا الخطاب بغض النظر عن الآثار المترتبة ان كانت هنالك آثار
فعلا؟
السيد المدرسي: لاشك اننا أمة في حالة النهوض فالأمة
الإسلامية بشكل عام تحاول الخروج من دائرة التخلف ونحن نشبه من
يقوم من قبره وعلى رأسه ركام من العوائق المختلفة وفيما يرتبط
بالشأن الشيعي فإن هنالك ملاحظات حول الأسلوب واللغة المستخدمة
ولكن الجوهر صحيح ولا ننسى اننا نحاول للتو الخروج من دائرة
الممنوع التي فرضت علينا لفترة طويلة من الزمن.
كنا سابقا ولازال بعض الشيعة في بعض المناطق إلى الآن ممنوعين
من ممارسة شعائرهم بل ولا يسمح لهم ببناء المساجد للصلاة أي
انهم يمنعون من إقامة الصلاة على طريقة مذهب أهل البيت (ع) ومن
هنا لازلنا اسراء في بعض الأطر الضيقة غير ان هذا الواقع لا
يعني ان علينا ان نستمر على الخطاب القديم وعلى طريقته السابقة
وأرى ان من الضروري ان نهتم بأمرين، الأول: بالأصالة وفي ذات
الوقت بالتطوير، ان الحياة تقوم على دعامتين: أصول ثابتة وأطر
متحركة كما ان القطار على سكة ثابتة وعربات متحركة ولو كانت
السكة متحركة أيضا فإن العربات لا تكون قادرة على التحرك ولو
ان العربات هي الأخرى لم تتحرك مثلما السكة فإن القطار لا يكون
وسيلة تنقل. اننا بحاجة إلى ان نفهم من جديد تلك الأصول
الأساسية التي بني عليها هذا المذهب وجوهرها، وضرورة الإيمان
بالحقيقة وليس مجرد التظاهر بها.
لقد كانت ثورة الإمام الحسين (ع) ضمن هذا الإطار فهو (ع) كان
يريد ان يقول: لا يكفي المظهر الإسلامي للقبول بالحكومة فالظلم
ظلم سواء مورس تحت شعار الكفرا وتحت شعار الإسلام والباطل باطل
سواء كانت عليه صبغة الحق أو لم تكن عليه صبغة الحق وان الحاكم
يجب ان يكون عادلا ولا يكفي مجرد ان يدعي الإيمان والاسلام ثم
يستخدم أساليب حرمها الشرع المقدس.
اذن لابد من العودة إلى هذه الأصول واستخراجها كما لابد في نفس
الوقت من استخدام الوسائل الحديثة والتحدث بلغة العصر ونعتقد
ان الحوار الصريح في مختلف الشؤون من أجل التوصل إلى الحقيقة
من جهة وللوصول إلى صيغ للتعاون فيما بين أفراد الأمة الواحدة
أمر ضروري جدا. فالحوار الصريح من الوسائل الحديثة المطلوبة
اليوم أكثر من أي يوم مضى.
"رسالة
الحسين":
ما هي الاقتراحات أو الأفكار لاستحداث
وسائل دعوية جديدة يكون لها اثر على ضوء السؤال السابق وامتداد
اكبر في المجتمع لاسيما مع تضخم الآلة الاعلامية الغربية
وسيطرة وسائل الاعلام على كل شي؟
السيد المدرسي: لنبدأ مما يمكن البدء به أي لنبدأ بالحوار
ولتكن لنا منتديات للحديث عن مختلف الشؤون سواء ما نختلف عليها
وما نتفق عليه، لنتحدث مع الآخرين ونفتح ونستمع يقول القرآن
الكريم: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) لتكن لنا في
وسائل الاعلام حوارات وفي الانترنت وعلى مستوى الفضائيات لنبدأ
الحوار وليسمع الناس آراء طرف ليحيا من حي عن بينة وليهلك من
هلك عن بينة.
و صلى الله على محمد
و آله الطاهرين
|