مفــــاهـيـــم وقيـــم
دعونا نسارع
إلى قرع حصن الموسوعة، ونحاول أن نلج من بابه الواسع
(الإيمان)، إلى عالم من القيم والمفاهيم التي تشيع في
أرجاء الموسوعة النادرة، وها هو السيد المدرسي يطل علينا
ببسمته المعهودة، وصدره الرحب، ليسلمنا المفتاح الذي يضع
بين أيدينا - ونحن لا نزال على الباب - حقيقة أن
(الإيمان لا يبحث لنفسه عن سبب.. فهو دائماً غاية بذاته)
(4).
فإذا سألناه
من أين نلج، حدثنا حديثه الدافئ: (قال: من أين نبدأ؟
قلت: من الله. قال: إلى أين ننتهي؟ قلت: إلى الله. قال:
وبينهما بماذا ننشغل؟. قلت: بالله. قال: أترى أن في ذلك
ضمانة لدخول الجنة؟ قلت: ذلك يرجع إلى الله)
(5).
فإذا استفسرنا
من السيد عن الفرق بين الحياة الدنيا التي تحتوشنا
والحياة الآخرة التي تنتظرنا، أجابنا بقوله: (قف أمام
مرآة صافية، وانظر إلى صورتك فيها، ترى ما الفرق بينك
وبين تلك الصورة؟ ستقول: إن الفرق هو أنني الحقيقة، وتلك
صورتها. وهكذا أمر الدنيا والآخرة، فالدنيا صورة الحياة،
أما الآخرة فهي الحيوان لو كانوا يعلمون)
(6).
سماحة السيد؛
وأين الطريق الآمن، والصراط الضامن لعبور الدنيا إلى
الآخرة؟ ألا توجز لنا الدليل، وتضعنا على جسر العبور؟
ويجيب: (دليل المؤمن إلى منابع الخير أحد أمرين: إما
الشوق إلى رضى الرب، أو الخشية من غضبه)
(7).
وإذا عصفت بنا
الحيرة عند بعض مفارق الطريق طمأننا قائلاً: (لا تخش
الحيرة، فهي أحياناً أم الإيمان) (8).
وإذا عجزنا عن
فهم سر النقيض، أرشدنا إليه بقوله: (ليست نعمة الظلمة
بأقل من نعمة النور، وليست نعمة الليل بأقل من نعمة
النهار، وليست نعمة التعب بأقل من نعمة الراحة، وليست
نعمة الجوع بأقل من نعمة الشبع، وليست نعمة الحرمان بأقل
من نعمة الغنى، وليست نعمة الموت بأقل من نعمة الحياة،
إن كل ما يأتي من الله جميل) (9).
سيدي المربي..
نحن على جسر العبور، تجاوز مركبنا بعض المفارق ونحن لا
نزال نخشى السقوط في المهاوي السحيقة من حولنا. نعم..
تخوفكم له ما يبرره، والمصدر هو الضعف، وتعلمون أن (ضعف
الضمير يؤدي إلى ضياع التفكير، وضياع التفكير يؤدي إلى
انحراف المسير، وانحراف المسير يؤدي إلى خراب المصير)
(10) وهذا ما تخشونه.
وكيف نتجنب
ضعف الضمير وانحراف المسير وخراب المسير؟. إنه أمر واحد
لا غير، هو أن تجعل كل توجهك إلى وجه الله تعالى، فإنه:
(من يتوجه دائماً إلى وجه الله تعالى، فهو كمن يسير
باتجاه الشمس.. فبينما هو يمشي في النور، فإن ظله يبقى
أبداً وراءه. أما من يكشح بوجهه عن ربه فهو كمن يعطي
ظهره للشمس، فهو يسير أبداً في ظلمات نفسه)
(11).
وكيف نضمن
ذلك؟ (بتشييد قلعة الإيمان في القلب) (12)،
(وعدم الخروج من حصن الدين) (13)،
فالإيمان (قوة لا تقهر) (14) وهو
(قلعة الأمل، والأمل قلعة العمل، والعمل قلعة النجاح)
(15).
وأما الدين،
فإنه يساعد على الصراع في ثلاث جبهات: (جبهة الشهوات في
النفوس، وجبهة السلطان في المجتمع، وجبهة المال في
الناس) (16).
إذن فالحياة
الدنيا مليئة بالمتناقضات، ولابد أبداً من احترام الصراع
بين جبهة الحق وجبهات الباطل. فهناك صنوف الطمع والجشع
والحسد والأنانية والاستئثار، والظلم والطغيان
والاستغلال، وأنواع كثيرة من الشرور والمفاسد المستشرية
في المجتمعات الإنسانية في مختلف أصقاع الأرض، ولابد من
مواجهتها، والجهاد المتواصل لدفعها، وإن كانت المواجهة
تحتاج إلى عدد وعدة، وإن الجهاد يستلزم الاستعداد
للكفاح، والتزود بالسلاح، وإلا (لو كانت عدالة القضية
وحدها تكفي لكسب المعركة لما استطاع الطغاة إنزال الموت
بالشهداء.. ) (17).
لا يمكن دفع
الباطل بحق أعزل، لكن الخطوة الأولى لانتصار الحق تكون
أبداً بـ(رفض الباطل من أجل بناء الحق)
(18)، فإذا خطوت هذه الخطوة الأولى برفض الباطل،
ووقوفك إلى جانب الحق، (فإن كل ما في الكون سيقف معك،
فالرياح ستجري لك، والشمس ستشرق عليك، والنجوم تلمع من
أجلك. لأن الكون بناه الرب على الحق لا على الباطل)
(19). وفوق ذلك فإن الله سبحانه (لن
يقف في المواجهة بين الحق والباطل على الحياد)
(20).
صحيح أنه (لا
يمكنك الوصول إلى حقك إلا بشرطين:
الأول أن تكون
قادراً على انتزاعه من الذي صادره منك، والثاني أن تكون
قادراً على الدفاع عنه) (21). لكن في
كل الأحوال (إذا لم تكن تمتلك القوة الكافية لانتزاع
حقوقك، فعلى الأقل لا تتنازل عنها) (22).
(فالحق ينتصر في النهاية، إنما أنت من يقطف ثماره إذا
تمسكت به، أو تخسرها إذا تقاعست عنه) (23).
وبالمقابل؛
فعلى المظلوم أن يمسك نفسه عن الانزلاق من حالة
المظلومية إلى حالة الظلم، لأنه (مهما كان الظلم الذي
وقع عليك فهو لا يبرر ظلمك لغيرك) (24).
ولأن (الهزيمة مع الحق أفضل ألف مرة من الانتصار مع
الباطل) (25). ولأن (القوة كل القوة
في العدالة، والضعف كل الضعف في الظلم، والبطولة كل
البطولة في الثورة من أجل الأول ضد الثاني)
(26).
بصـــــائـــــر و رؤى
إن ما حفلت به
الموسوعة من قيم رفيعة ومفاهيم سامية - يمثل الذي
أوردناه جزءاً بسيطاً منها - قد أحيط بعالم شفاف من
الرؤى والبصائر، التي تعتبر نتاجاً طبيعياً للفكر النير
الذي حازه السيد المدرسي خلال مراحل جهاده المتواصل،
ونضاله المرير، على الساحة الإسلامية بشكل عام والساحة
العراقية بشكل خاص، قارع من خلالها الطغيان والظلم بشتى
أشكالهما وألوانهما، فكان له ذلك الحصاد الكبير من الرؤى
والبصائر، مما جعله يقرر أن (إغراء السلطة من أشد
إغراءات الحياة خطراً وأكثرها ضرراً) (27)،
وأن (السلطة تضم في أحشائها - لا محالة - إغراءات قوية
إلى الانحراف والفساد) (28)، وأنها
بما تملك من وسائل القوة (سرعان ما تتكتل حول ذاتها
وتنعزل عن الناس) (29)، وأن (ريح
السلطة يشل عقول الكثيرين، ويخرس ضمائرهم، ويميت قلوبهم)
(30).
وهكذا - وفي
ظل السلطة - ينشأ الاستبداد والطغيان، و(في ظل الاستبداد
يكون العلم في خدمة الظلم، والتعليم في خدمة التعتيم،
والعلماء في خدمة الظلماء) (31)، وما
كل ذلك إلا لأنه (لا شريعة للاستبداد)
(32).
وإن سألنا
السيد المدرسي عن منشأ الاستبداد، كشف لنا ببصيرته
النافذة عن ذلك بقوله: (الاستبداد نتاج أمرين: قوة الضعف
في ضمير الحاكم، وضعف القوة في إرادة المحكوم)
(33).
والواقع أنه
لا سبيل إلى إيقاظ الحاكم المستبد، لأنه (مثل المنشار
المزدوج، الذي يأكل الخشب ذهاباً وإياباً)
(34)، فهو لا يزال في شره ونهم، وطمع وغرور، ولا
يمكنه كبح هذه النوازع الشريرة في نفسه، ولكن ماذا عن
إرادة المحكوم؟ إنه نصف المعادلة، وهو الميدان الذي
يمارس الحاكم المستبد استبداده فيه، وطغيانه عليه.
ولذلك لابد من
تحرير إرادة المحكوم، ورفع وهم الضعف عن قوته وقدرته.
ويحدثنا السيد المدرسي عن الطريق إلى ذلك فيقول: (أسقط
الطاغوت في وجدانك، فتلك هي الخطوة الأولى لإسقاطه في
الحياة) (35)، لأنه (لا معنى لمحاربة
الطاغوت إلا إذا حاربت فيه الطغيان القائم في نفسك)(36)،
حيث أن (جبروت النفس أشد وطأة من جبابرة الزمان، فالجبت
هو الحليف الأول للطاغوت في مسرح الحياة)
(37).
فإذا أنت فعلت
ذلك، كان لك أن تتحرك لإسقاط الطاغوت بالعصيان والتمرد،
بالقلم والبندقية، بالتصميم وقوة الإرادة، والصبر في
المقاومة والمقارعة.
ولتكن على
يقين (أن وحشة الظالم من المظلوم أشد من وحشة المظلوم من
الظالم، إلا أن الأول يخفي وحشته في قناع قوته، أما
الثاني فلا يجد شيئاً ليخفيها فيه) (38).
ولتكن على
يقين أيضاً أنك (إذا رأيت الظالم مستمراً في ظلمه بلا
هوادة فاعرف أن نهايته محتومة، وإذا رأيت المظلوم
مستمراً في مقاومته بلا هوادة أيضاً فاعرف أن انتصاره
محتوم كذلك) (39). بل وأكثر من ذلك
فإنه (تبدأ هزيمة الظالم من لحظة انتصاره على المظلوم،
ويبدأ انتصار المظلوم من لحظة مطالبته بظلامته)
(40).
إنها رؤىً
وبصائر تنير للسالك درب الحياة، وتفتح عينيه على الوجود،
وترشد خطاه نحو السعادة والمجد.
لنستمع إليه
وهو يدلي لنا ببعض بصائره ورؤاه:
عن حقائق الحياة يقول:
(حقائق الحياة
ثلاث: العدل لا يشيخ، والحق لا يتحول إلى باطل، والخطأ
لا يصبح صواباً) (41).
وعن المال:
(المال الكثير
كالفقر المدقع، كلاهما مفسد لضمير صاحبه)
(42).
(جمع المال
مقبرة القيم، أما إنفاقه فمزرعتها) (43).
(كلما زاد
المال زاد معه همان: هم الحفاظ عليه وهم الاستزادة منه)
(44).
(المال نصف
المشكلة ونصف الحل، ونصف السعادة ونصف الشقاء، ونصف
الصلاح ونصف الفساد، ونصف الراحة ونصف التعب، ونصف الخير
ونصف الشر) (45).
وعن السعادة:
(السعيد كل
السعيد من يقنع بمطلق المتعة، بدل أن يطلب المتعة
المطلقة) (46).
(السعادة لا
تهبط عليك من السماء، بل أنت من يزرعها في الأرض)
(47).
(من استهدف
سعادة نفسه فقط، خسر نفسه ولم يربح السعادة، ومن استهدف
إسعاد الآخرين، ربح السعادة والآخرين معاً)
(48).
(ازرع بسمة
تحصد فرحة، وازرع وردة تحصد سعادة، وازرع فكرة تحصد أمة،
وازرع شجاعة تحصد حضارة) (49).
(يمكنك أن
تنام وحدك، وأن تأكل وحدك، وأن تسافر وحدك، وأن تمشي
وحدك، وأن ترتاح وحدك، ولكن من المستحيل أن تحب وحدك)
(50).
وعن الحرية:
(بعض الحرية
لكل الناس، أفضل - بما لا يقاس - من كل الحرية لبعض
الناس) (51).
(قيمة الحرية
في وجود الاختيار، وقيمة الاختيار في تحمل المسؤولية،
فلا معنى لحرية لا اختيار لصاحبها في استخدامها، ولا
قيمة لاختيار لا يتحمل صاحبه مسؤولية ممارسة الحرية)
(52).
(الحرية مسألة
شخصية تهم الفرد، ومسألة حضارية تهم البشرية، ومسألة
إلهية أرادها الله سبحانه وتعالى للمجتمع، ومن يصادرها
إنما يصادر حق الفرد وحق المجتمع وحق الله تعالى في وقت
واحد) (53).
(الأحرار
وحدهم يفهمون طعم الحرية،أما العبيد فكيف يمكنهم أن
يفهموا طعم ما لم يتذوقوه؟) (54).
وعن الأمل:
(أن تعيش في
الآمال الكبيرة خير لك من أن تسبح في وحول الهموم
الصغيرة، فالآمال الكبيرة قد تحملك إلى عالم الكبار، أما
الهموم الصغيرة فلا يمكنها إلا أن تشدك إلى عالم الصغار)
(55).
(لكي تحقق
آمالك فإن عليك أن تقبل الآلام كجزء من متطلبات الحياة)
(56).
(كل الحقائق
الموجودة على الأرض اليوم كانت مجرد آمال في يوم من
الأيام) (57).
(الأمل الكاذب
مطية الشيطان، تماما كما كان الشيطان مطية الأمل الكاذب)
(58).
(من يملك
الأمل يملك دائماً سفينة يمخر بها عباب بحر النجاح)
(59).
وعن النجاح:
(لكي تنجح
فإنك بحاجة إلى رؤية بعيدة وثقافة واسعة، ولكن لا الرؤية
البعيدة ولا الثقافة الواسعة تضمنان لك النجاح، وإنما
العمل الشاق المضني الذي يستنير بالرؤية ويتسلح
بالثقافة) (60).
(قوة الإرادة
هي القاعدة المشتركة عند جميع الناجحين)
(61).
(النجاح
الحقيقي هو في أن تكون لديك دائماً الخطوة التالية
للبناء على ما أنجزته من قبل) (62).
(ليس هناك
نجاح كامل ولا فشل كامل، فالنجاح والفشل - كباقي قضايا
الحياة - يخضعان لقانون النسبية) (63).
(أحياناً يمكن
أن يكون وراء كل نجاح فشل، كما يمكن أن يكون وراء كل فشل
نجاح، فإذا أدى النجاح إلى الغرور كان سبباً للفشل، وإذا
أدى الفشل إلى التواضع كان سبباً للنجاح)
(64).
(كل الناس
يرغبون في النجاح، إلا أن بعضهم يقرر بالفعل أن ينجح،
وبعض هؤلاء لا يكتفي بذلك وإنما يسعى لتنفيذ ما قرر،
والبعض الآخر يزيد على ذلك بأنه يستمر في المحاولة رغم
الفشل. وهذا وحده الذي يمكنه أن يضمن النجاح لنفسه)
(65).
(لكي تنجح
افعل أولاً ما هو ضروري، ثم افعل ثانياً ما هو واجب، ثم
افعل ثالثاً ما هو ممكن، وعندئذٍ تستطيع إنجاز ما هو
مستحيل) (66).
(أن تحمل
مشعلاً كبيراً حتى ولو لم تنجح في وضعه على قمم الجبال،
أفضل من أن تحمل شمعة صغيرة يمكن أن تضعها في أي مكان)
(67).
وفي مجال الحكمة يقول:
(تعلم الحرية
من الهرة، والكبرياء من الديك، واليقظة من الدلفين،
وهدوء الأعصاب من الفيل، وخفة الحركة من الغزال،
والإصرار على العمل من النمل، والتخطيط من العنكبوت،
والوثوب على الهدف من الصقر) (68).
(الغضب نوعان:
غضب مطلوب وهو ما يكون من أجل المبدأ، وغضب مرفوض وهو ما
يكون من أجل المصلحة) (69).
(شتان بين
شمعتين، شمعة تضاء في عيد ميلاد، وأخرى تحترق في ذكرى
وفاة. وشتان بين قبلتين، قبلة الفرحة عند اللقاء وقبلة
الحزن عند الفراق. وشتان بين وردتين، وردة تهدى في
مناسبة زفاف، وأخرى تقدم في مناسبة عزاء. وشتان بين
دمعتين، دمعة الفرح عند الوصال، ودمعة الحزن عند الوداع.
وشتان بين صرختين، صرخة الأمل في ساعة الولادة وصرخة
الذعر في لحظات الكارثة، وشتان بين ميتتين، ميتة في سوح
الجهاد في سبيل الله، وميتة في مواجهة الحق في سبيل
الطاغوت) (70).
(إذا تعبت من
السير فلا تقطع المسير، وإذا عجزت عن التقدم فلا تبدأ
بالتراجع فإن لك خيار الاستراحة على قارعة الطريق قبل
المواصلة من جديد) (71).
(تخلص من
الخوف من المجهول، وحينئذٍ لن يستطيع المعلوم أن يخيفك)
(72).