قائمة المقالات

قائمة الحوارات
 

 


 

 


 

العنوان: حوار مجلة "الشهيد" مع السيد المدرسي

عام 1420 هـ

  في حوار مفتوح مع صحيفة "الشهيد" الصادرة من طهران: السيد هادي المدرسي يتحدث عن انتقال الحضارة، الحداثة، المجتمع المدني، والعولمة..

نحن مع من؛ (القرية الكونية) أم (الكون القروي)؟
(الجزء الرابع)

س: ننتقل إلى المحور الأخير وهو (العولمة).. وكما عرفنا ان لديكم رؤية خاصة في هذا المجال، سماحة السيد، الا تتصورون ان النشأة الأولى للعولمة هي نشأة إستعمارية؟ بمعنى آخر، ان البعض يرى ان تزامن الغزو الإستعماري الغربي المباشر للشرق اوجد (الإستشراق) والإستشراق اوجد (علم الإناسة) أو كما يقولون (انثربولوجيا)، وهذا العلم الذي يعد عمره قرنا ونصف تقريبا، مهد الطريق لدراسة المكونات الانسانية للصوب الشرقي للكرة الارضية، وكان بداية نشأة عولمة الثقافة ثم عولمة السياسة والإقتصاد إلى آخره.. كيف تنظرون إلى هذه الفكرة؟

 

ج: لعل في إصطلاح العولمة نوع من الظلال السلبية، حيث يفهم منه سيطرة (عالم معين) على الآخرين وتلوين الأرض  كلها بلون حضارتهم ولذلك فاني افضل مصطلح (العالمية) على مصطلح (العولمة). وبهذا المعنى فاننا نرى جذور العالمية في ديننا وكياننا فالله تعالى خلق الإنسان موجودا كونيا وأراد له ان يتحرك في هذه الأرض  كلها وان يتفاعل مع بني الإنسان في كل مكان لان الناس حسب تعبير الامام علي (ع): (اما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق).

لعل في اصطلاح العولمة نوع من الظلال السلبية، حيث يفهم منه سيطرة (عالم معين) على الآخرين وتلوين الأرض  كلها بلون حضارتهم ولذلك فاني افضل مصطلح (العالمية) على مصطلح (العولمة). وبهذا المعنى فاننا نرى جذور العالمية في ديننا وكياننا..

السيد المدرسي

فالحالة العالمية دعت إليها الديانات السماوية عبر دعوتها إلى توحيد الله عزوجل بإعتبار ان خالق الكون واحد والخلق امام الخالق واحد (كلكم من آدم وآدم من تراب). و(الناس سواسية كأسنان المشط). و(ليس بلد اولى بك من بلد، البلد ما حملك) و(قل سيروا في الأرض  فانظروا..) هذه التعليمات السماوية كلها تؤكد الحالة الكونية لدى الإنسان لانه موجود كوني والبشرية تتجه نحو هذه الحالة شئنا أم ابينا، ولا يستطيع احد ان يرفض هذا الإنفتاح الموجود الآن.

والذي نرى بعض مظاهره في شبكة الإتصالات، وفي القنوات الفضائية وفي شبكة الإنترنت وتقارب المسافات والوسائل الحديثة وما شابه ذلك. وكل هذا هو رأس جبل الجليد من حالة العولمة. نحن اليوم نتجه نحو (القرية الكونية)، الا ان هنالك بعض غلاة الغربيين الذين يريدون ان نتجه نحو (كون قروي). فعندما ينادي اليمين الأمريكي إلى سيطرة امريكا على الأرض  ومن ثم تنصيب الرئيس الأمريكي قيصرا على الكون، فانهم يريدوننا ان نعيش في كون قروي. ولكن إذا اخذنا بعين الاعتبار ان التاريخ هو صناعة الله تعالى وان البشر لهم هامش من الحرية في صناعة التاريخ. فان نشأة (العالمية) تكون اذن نفحة الهية. فكلنا يتجه نحو القرية الكونية التي نعتقد وننتظر ان يظهر الامام المهدي (عج) ويقود هذه القرية بالإتجاه الصحيح. الا ان المتفوق يحاول ان يستغل أي تقدم بشري لمصلحته. فالشركات متعددة الجنسيات تحاول السيطرة على إقتصاد الكرة الأرضية. وفي الجانب السياسي، يحاول الغربيون بقيادة امريكا ان تكون لهم الكلمة العليا في كل صغيرة وكبيرة من شؤون البشر، كما يحاول حلف الناتو ان يحافظ لنفسه على التفوق العسكري حتى تكون لهم الكلمة الأخيرة في مصائر الشعوب. هذا ما يريده الغربيون ولكن هل يستطيعون ان يفعلوا ذلك؟ انا في شك عميق من ذلك، فمن غير الممكن ان يستطيع احد ان يفرض نفسه حاكما على الكون والى الأبد، لان الله عزوجل أراد للحضارات ان تنتقل من مكان لمكان، كما ان الفساد الإجتماعي ينخر في داخل الغرب نفسه، وهذا يسلب منه صلاحية قيادة الأرض  كما ان الشعوب الغربية ليست مستعدة لدفع ثمن القيادة.

نحن اليوم نتجه نحو (القرية الكونية)، الا ان هنالك بعض غلاة الغربيين الذي يريدون ان نتجه نحو (كون قروي)

السيد المدرسي

الأمريكيون أرادوا تغيير الأوضاع السياسية في العراق وفيما بعد أرادوا نفس الشيء في يوغسلافيا. ولكن لانهم غير مستعدين لان يدفعوا الثمن، تجدهم واقفين عند الباب وكأنهم عاجزون عن الإقتحام. فالامريكي ليس مستعدا ان يقتل في العراق. وهو ثمن سيادته وذلك فان صدام حسين يتحدى الرئيس الأمريكي ويستمر بينهما السجال بينما يدمر شعب العراق بين سندانة الامريكيين وبين مطرقة صدام حسين وتجد كلا الرئيسين عاجز عن هزيمة الآخر فبمقدار ما ان صدام حسين عاجز عن ان يخرج من الشرنقة، بنفس المقدار فان الامريكيين عاجزون عن ان يقضوا على صدام حسين المبتلى به شعوبنا في هذه المنطقة وحينما لا يكون شعب من الشعوب مستعدا لان يدفع الثمن لتفوقه، فهو لا يستطيع ان يفرض إرادته. ان الشعوب المتقدمة هم اليوم مصداق لقوله تعالى (ان الإنسان ليطغى ان رآه استغنى).

فهم يريدون الرفاهية، والراحة. ولا أحد منهم يستعد ان يدفع ثمنا لسيادة بلاده ولذلك وجدنا كيف ان فئات صغيرة في شعوب فقيرة إستطاعت التخلص من سيادتهم. وهذا ماحدث في صوماليا حيث تدخلت القوات الأمريكية بقيادة حلف (قوات الناتو) ولكن حينما قتل مجموعة من الجنود الامريكيين انسحبوا من هناك صاغرين لانهم غير مستعدين ان يتحملوا المسؤولية من دون ان يكون لهم مردود اقتصادي. وهكذا فانهم يتدخلون في بعض المناطق حسب مقدار المردود ويبقى تدخلهم محدودا بحدود معينة.

من غير الممكن ان يستطيع احد ان يفرض نفسه حاكما على الكون والى الأبد، لان الله عزوجل أراد للحضارات ان تنتقل من مكان لمكان، كما ان الفساد الإجتماعي ينخر في داخل الغرب نفسه، وهذا يسلب منه صلاحية قيادة الأرض  كما ان الشعوب الغربية ليست مستعدة لدفع ثمن القيادة

السيد المدرسي

وعلى كل حال فاني أعتقد ان (العولمة) حالة إيجابية بالرغم مما فيها من السلبيات وأتصور انه ليس بمقدور احد منع ذلك وعلينا ان ننظم فعالياتنا معها بمقدار ما نستطيع، اما ان نبني حول أنفسنا جدارا حديديا فان هذا غير ممكن فسياسة الجدران الحديدية فشلت في السابق وسوف تفشل في المستقبل أيضا ومن هنا فان من الأفضل ان نأخذ بالجوانب الإيجابية من العولمة لندخل فيها كما أمرنا الأنبياء بذلك أليس ان القرآن الكريم حينما يتحدث عن النصر، لا يتحدث عن نصر محدود بمكان دون مكان بل يتحدث عن النصر الحقيقي الذي يشمل الأرض  كلها؟ يقول ربنا (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض  ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين). ويقول (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون).

إن البشرية كلها في سفينة واحدة. وعلى الجميع التعاون في قيادتها، لأنها اما تصل بسلام إلى الشاطيء، أو لا احد فيها سيصل بسلام إلى مبتغاه. ومن مصلحة كافة الشعوب ان تتعاون في الجوانب الإيجابية وان تقيم علاقتها على أسس سليمة حتى لا يستطيع طرف من الأطراف ان يحاول السيطرة على الآخرين.

و صلى الله على محمد و آله الطاهرين