س: سماحة السيد، هل تعتبرون ان مقولة الألفية الثالثة هي
ألفية القارّة الآسيوية؟ وهل هذا مجرد إدعاء روّجته
الحكومات خاصة في جنوب شرق آسيا أم إعتمد على أسس علمية..
خاصة بعد لقاءكم الأخير الذي دار بين سماحتكم والدكتور
الترابي حيث طرحتم هذه الفكرة بوضوح؟
السيد
هادي المدرّسي: بسم الله الرحمن الرحيم. مع الشكر الجزيل
لكم. قبل كل شيء لابد ان نذكر بعض سنن الله عزوجل في
الحياة:
فأولاً- ان
الحضارات لايمكن ان تكون حكرا على شعب معين، أو على أمة
معينة كما لايمكن ان تكون خاصة وبمنطقة معينة. يقول ربنا
تعالى في كتابه الكريم: (وتلك الأيام نداولها بين الناس)،
فظاهرة انتقال الحضارات من أمة إلى أخرى ومن منطقة إلى
ثانية هي من القواعد الثابتة في التاريخ البشري. ألا نجد
كيف ان حضارات قامت ثم بادت في مختلف المناطق مثل الصين
والهند، وكيف ان الحضارة انتقلت من الهند إلى الشرق
الأوسط، ثم انتقلت من الشرق الأوسط إلى أوربا ثم انتقلت
إلى القارة الأمريكية وهي الفترة التي نعاصرها نحن الآن.
 |
ان الحضارات قل
ان تموت بالسكتة القلبية. انما هي تشيخ فتنتهي. وكذلك الحضارات قل
ان تقوم في قفزة واحدة..
لكن الحضارات ترتفع لبنة فلبنة وتتقوى يوما بعد يوم إلى ان تصبح هي
فاعلة في محيطها ومن ثم في محيط الكرة الأرضية.
|
 |
السيد المدرسي |
|
ثانيا- ان
الشعوب كالأفراد، والأمم كالأشخاص، فكما ان الفرد يولد
ضعيفا ثم يقوى ويشب ثم يشيخ ويصبح كهلا، ثم يموت، كذلك
الأمم تمر بنفس الدورة، ولكن شباب الأمم وشيخوختها
وكهولتها لا إرتباط لها بالأعمار، لان الناس على كل حال
يولدون في كافة المناطق وفي جميع الامم، وكلما شاخ الناس
ماتوا ثم ولد أشخاص آخرون. إنما مرحلة الشباب والشيخوخة
وماشابه ذلك في الأمم مرتبط بتلك العادات والتقاليد التي
تسود فيها، وبعبارة أخرى فان ثقافة الامة هي التي تحدد
مرحلة حياتها فحينما تكون الامة نشيطة وتتحمل مسؤولياتها
وتعتمد على السنن الإلهية مثل المعرفة والنشاط وماشابه
ذلك، فان هذه الامة تكون في مرحلة الشباب وهي حينئذ تصنع
حضارتها، ولكن حينما تركن إلى الفسق والفجور والتكاسل
وماشابه ذلك، فان الامة تبقى كأفراد ولكن الحضارة ترحل
عنها.
ثالثا- ان لكل
تقدم حضاري آثاره الجانبية، يقول ربنا:
(ان الإنسان
ليطغى ان رآه إستغنى)، فحينما تصبح الامة غنية في مالها، و
اقتصادها وصناعتها وقوتها العسكرية، فانها تصاب بمايسمى
بـ(أمراض التقدم) مثل التكاسل والغرور والفسق والفجور،
تماما كما نجد ان ابن التاجر الثري الذي يفتح عينيه وفي
فمه ملعقة من ذهب، هذا الابن يتكاسل عادة، سواءا في مجال
تعلم المعارف والعلوم أو في مجال العمل والنشاط، والامة
الغنية ايضا تصاب بالشيء نفسه وان كان على مستوى اوسع
وبشكل أعمق.
اذن هنالك دورة
حضارية للأمم، تبدأ من الرغبة الشديدة إلى صنع الحضارة
والإرادة والقوة لدى الأمة في ان تنهض، وحينما تجتمع عوامل
النهضة وتستيقظ الأمة وتبدأ تغير واقعها، حينئذ تصبح هذه
الأمة مرشحة لكي تنتج حضارتها، حتى اذا أصبحت متحضرة
وغنية، ومهيوبة الجانب، تبدأ تنخر فيها أمراض الحضارة.
وهكذا تتكون الدورة الحضارية للأمم وهي مثل الدورة
الحياتية للأفراد: انها تبدأ من نقطة ضعف ثم تمر بمرحلة
الشباب ثم تنهي إلى الكهولة ثم الشيخوخة ثم الوفاة.
غير ان دورة
الحضارة ليست مثل دورة الحياة طبيعية، فليس كل الأمم لابد
ان تمر بمرحلة القوة كما هو الامر بالنسبة إلى الافراد حيث
ان الطفل يولد ضعيفا ثم يقوى في مرحلة الشباب ثم يضعف.
انما الحضارة
ترتبط بإرادة الناس، فإذا أوجدوا في أنفسهم شروط الحضارة،
فإنهم سيكونون أقوياء، وإذا لم يفعلوا ذلك، فالحضارة لا
تفرض على احد وهكذا فان الحضارة صناعة الناس، فان لم
يتحملوا مسؤولياتهم فلن تكون عندهم حضارة.
 |
ظاهرة انتقال
الحضارات من أمة إلى أخرى ومن منطقة إلى ثانية هي من القواعد
الثابتة في التاريخ البشري. ألا نجد كيف ان حضارات قامت ثم بادت في
مختلف المناطق مثل الصين والهند، وكيف ان الحضارة انتقلت من الهند
إلى الشرق الأوسط، ثم انتقلت من الشرق الأوسط إلى أوربا ثم انتقلت
إلى القارة الأمريكية وهي الفترة التي نعاصرها نحن الآن؟ |
 |
السيد المدرسي |
|
مع الأخذ بعين
الإعتبار هذه الحقائق الثلاث فإنني أرى ان الحضارة بدأت
تنتقل من الغرب أي من أوربا وأمريكا –إلى جنوب شرقي آسيا،
ولعل نهايات القرن الواحد والعشرين ستشهد نهاية الحضارة
الغربية وإنتقال القوة الحضارية في جوانبها الإقتصادية
والعسكرية والثقافية إلى تلك المنطقة وبالذات إلى محور
اليابان والصين بالإضافة إلى ماليزيا، وسنغافورة، وكوريا
الجنوبية واندونيسيا. وبالطبع فإن الحضارات تشبه الإنسان
في ان لها قلبا وأعضاء رئيسية واخرى جانبية وأعتقد ان قلب
هذه الحضارة سيكون محور اليابان والصين اما الأعضاء فستكون
الدول المحيطة بها. وعلى كل حال فالحضارة في حالة الإنتقال
وبالطبع هذا الأمر لن يحدث بين عشية وضحاها، كما ان
الحضارات قل ان تموت بالسكتة القلبية. انما هي تشيخ
فتنتهي. وكذلك الحضارات قل ان تقوم في قفزة واحدة الا على
أيدي الأنبياء العظام وبإرادة إلهية كما حدث بالنسبة
الىالحضارة العربية.
لكن الحضارات
ترتفع لبنة فلبنة وتتقوى يوما بعد يوم إلى ان تصبح هي
فاعلة في محيطها ومن ثم في محيط الكرة الأرضية.
متابعة
القسم الثاني من الحوار
في الصفحة التالية
>>>>>>>>>>
|