بسم الله الرحمن الرحيم

انعقد في مدينة سيدني الاسترالية مؤتمر لبحث القضيّة العراقية و الأحداث الراهنة
وذلك تحت عنوان: (العراق; الحاضر والمستقبل), و قد حضر المؤتمر المئات من أبناء
الجالية العراقية للمشاركة في هذا الإجتماع المتميز بحضور زعيم عراقي و شخصية
إسلامية و هو أية الله المجاهد السيد هادي المدرسي خلال زيارته التاريخية
لإستراليا.
إن العراقيين في المهجر يجمعهم قاسم مشترك و هو الدين الإسلامي الحنيف و إتباع أهل
البيت عليهم السلام و إنطلاقا من الإحساس بالمسؤولية تجاه وطنهم و مقداساتهم التي
أجبروا على تركها يهرعون الى البذل من أنفسهم و أوقاتهم في سبيل القضيّة و الإهتمام
بالشأن بالمشاركة و الحضور و الإلتفاف حول القيادة الدينيّة في سبيل الوصول الى
الأهداف و الأغراض السامية لبناء وطن عامر بالخير و ذلك بالرجوع الى مباديء الدين
بعد أن سعى النظام المقبور بكل ما يملك للقضاء عليه و إقصاءه عن حياة الشعب
العراقي..
فلقد كان طاغوت العراق قد تحزّم وأسرج وألجم للقضاء على الدين و التديّن ما استطاع
من قوّة و لبس لذاك خِلَع الطغيان و تسربل بالظلم الفاحش فتقمّص الشرّ كلّه, وكان
قد ورث من أسلافه الأمويين رذائل النفاق الأشقى و لسع السم الأنقع, فاستلهم من
الحجاج نكيرَ فعله، و من معاوية مكر لسانه و حيل تدابيره، و من يزيد الروح الأمويّة
النكراء...فجمع بين منكبيه كلّ رذائلهم، و كان مجمع الطغيان المصبوب و عَلماً للظلم
منصوب، فلا يقاس به أحد بل يقاس الظلم الموحش به. و لذلك فإن أية الله المجاهد
السيد هادي المدرسي استهلّ حديثه بقوله:
"حقبة سوداء مرّت على العراق شعباً و أرضا، و غيمة مرعدة المّـت بعراق المقدسات , و
الكلام عن ما مضى من تلك البرهة الزمنية المظلمة كلام ذو شجون، لا يرقى له الدمع
والنحيب، فقُتل مَن قُتل و أقصي من أقصي و جرى القضاء بما يرجى له حسن المثوبة"
ثم انتقل سماحته الى التحدّث عن حاضر العراق و أفاق المستقبل وضرورة العمل الجاد
لإنتهاز الفرصة المتاحة، إنطلاقا من قول أمير المؤمنين -عليه السلام- "إنتهزوا فرص
الخير فإنها تمرّ مرّ السحاب" و أن هذه هي من تلك الفرص السريعة الفوت البطيئة
العود التي يعدّ إنتهازها بناءً للمستقبل، و أنّ ساعة تبذل الأن تعادل مئات الساعات
غدا و درهماً يبذل الأن يعادل أموال جمّة تبذل بعد اليوم، وفالفرصة قد طرقت
أبوابنا."
و قد لخّص سماحته أصول العمل في البرهة الحاضرة في ثلاث "تاءات" :
الأولى: (التكتّل) لكي تنصب الجهود في مسار معين و محدود و لكي تتحول العواطف
الجياشة الى طاقات تستثمر لخدمة الدين و الوطن و لئلا تتبعثر الجهود الفردية و تذهب
أدراج الرياح..
الثانية: (التعاون) فإن يد الله مع الجماعة، و قد أمرنا الله بالتعاون لأن التعاون
سبيل للتقدم و الرقي, و يجب نبذ الخلافات و طمس كل ما يمتّ إلى الصراع والتشاجر
والشقاق بصلة، برص الصفوف وتوحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد.
و الثالثة: (التوعية) و هي ما يحتاج إليها الشعب العراقي حاجةً ماسة بعد غياب جلّ
العلماء و المفكرين من الساحة لمدّة ربت على ثلث قرن من الزمن، و بعد أن دُسّت
الثقافات المسمومة من قبل النظام المقبور.
و ردّا على سؤال قدّمه أحد الحاظرين إلى سماحته حول مستقبل المرجعيّة الدينية في
العراق و دورها المأمول، قال سماحته:
"كان ولم يزل ولا يزال للمرجعيّة دور محوري في تسيير الأمة إلى الأمام، ولا مناص من
وجود مراجع يقومون يتبيين وإرشاد الناس وتوعيتهم، فالمواقف التي فيها رأي من قبل
الشارع يكون المرجع بيده مجاري الأمور فيها ليمضي الناس مظللين تحت ظل الشارع
المقدّس وطاعته من جهة، ونظم الأمر من جهة أخرى. "
وأكد سماحته: "على كل فرد أن يرجع إلى من يراه أهلاً للرجوع إليه، وكلٌّ إلى مرجعه
ومقلّده، ذلك حتى نكون "متكتلين" "متعاونين" وسائرين بوعي ومعرفة بالمتطلبات
والمعادلات."
وأضاف: "يوجد في الساحة اليوم مراجع صامدون أمثال: سماحة آية الله العظمى المرجع
الديني السيد علي السيستاني ، وسماحة آية الله العظمى الرجع الديني السيد صادق
الشيرازي، وسماحة آية الله العظمى المرجع الديني السيد محمّد تقي المدرسي، وغيرهم
ممن ينبغي الرجوع إليهم في جميع الأوقات عموماً وفي هذه الأوضاع الراهنة بوجه خاص."
وأما عن خصوص مستقبل المرجعية في العراق، قال: "الشعب العراقي هو شعب ذو مبدأ
وعقيدة، وقد برهن بنفسه على ذلك أيام ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع)، وقد أقام لأهل
العالم بيّنة ترصّع جبين المؤمنين..هذا الشعب الأبي قد أبى إلا أن يكون الدين قائده
والشريعة إمامه والمبدأ معاده ، لذا هو يأتمر بأمر مرجع الدين، وخير شاهد على ذلك،
لمّا رأينا بعد أن نهبت بعض المواد الإداريّة للحكومة للسابقة، وأفتى بعض المراجع
بوجوب ردّ ما يرتبط ببعض الإدارات، كيف أن من أخذها جاء بطوع إرادته وردّها من دون
مجبر أو إكراه!، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن الشعب العراقي قد اختار
لنفسه أن لا يحدث حدثاً حتى يرى رأي الدين فيه قبل فعله."
وعطفاً على مسألة التكتّل ، قال سماحته: " إن الجماعات دائما هم المفلحون، بينما
الفرادى يحسبون أنهم يحسنون الصنع لكنما أمرهم حتما يؤول إلى الفشل." ولأهميّة
الحديث في هذا الباب، أطنب سماحته فيه بضرب أمثلة ونماذج من التاريخ البعيد والقريب
في هذا الشأن.
كما وتأسف السيد المدرسي لرزية الصراعات الشيطانية، التي لا تريد إلا عدم الإعتصام
بحبل الله وإلا عدم الوحدة وتسعى لديموية التفرقة والغضينة لبعضنا الآخر.
كما وقال: " معروف لدى اليهود أنه لا يجتمع منهم يهوديان إلا ويشكلان ثلاثة أحزاب:
حزب لكل واحد على حدة، وحزب يشكلانه معاً" ولهذا رأى سماحته أن "من يرى أنّ تنظيما
ما أو حزبا ما أو مجموعة ما أو حركة ما أو جمعيّة ما هي الصواب فليكن مؤطّرا في
إطارها، وأما من لا يرى لأي من المنظمات أو الأحزاب أو الحركات المتواجدة في الساحة
الصواب، فليشكّل بنفسه شيئاً ما، حتى لا نكون غثاءا كعثاء السيل الذي يدّمر ولا
يبني."
|